الحقيقة في جوهرها واحدة، ثابتة، لا تتغير.
لكن الإنسان يقرؤها من خلال معاييره وأوهامه، فتبدو له متبدّلة؛ قد تنحرف لتصبح مغالطة أو تكذب على نفسها، وقد تُبعث من جديد في صورة يقين.
الواقع، حين يُقطع أو يُجزّأ، لا يبقى واقعًا... بل ينحرف إلى خيال، إلى صورة مشوّهة لما كان ينبغي أن يكون.
وعند تصادم الأشخاص والإيديولوجيات، تنكسر الحقيقة إلى حقائق متعددة، يصبح من شبه المستحيل توحيدها، ومن المستحيل تقريبًا إلصاق شظاياها المتناثرة إلا نادرًا. وحتى حين تُجمع القطع، تظل القطعة الكبيرة، مهما بدت كاملة، قاصرة عن تمثيل الحقيقة الكبرى.
لكن المعضلة الأعمق أن الإنسان، في غمرة محاولاته لفهم الحقيقة، لا يدرك غالبًا أن هناك قطعًا مفقودة أو أن ما يملكه مشوّه. يواصل النظر من خلال تلك القطعة الناقصة، معتقدًا أنها الحقيقة الكاملة.
للوصول إلى فهم العالم — أو حتى جزء منه — عليك أن تتحرر من قيود أفكارك المتجذّرة، أن تهدم مبادئك التي بُنيت عليها قناعاتك يومًا، وأن تتجرأ على اقتحام المحرّم والممنوع الذي لطالما كان يُحيط بك.
لكن هذا التمرّد، نادرًا ما يفعله المحلّل أو الباحث؛ لأنهم في سعيهم الحثيث نحو الفهم، يقعون ضحايا الدهشة. تنطفئ الأضواء من حولهم، ويجدون أنفسهم غارقين في ظلمات المجهول، حيث يُختبر العقل... ويُختبر الإنسان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق