الراحة |
هناك من يتمنى أن يفرح بزواج ابنته أو ابنه يومًا ما، لكن هناك من يستغرب هذا الشعور ويعتبره انحصارًا في مفهوم الفرحة والراحة النفسية.
الموضوع في جوهره يحمل جوانب فلسفية واجتماعية وثقافية، ويعتمد على الأولويات. فمع مرور الوقت، تتغير الأولويات؛ أي كلما تقدم الإنسان في العمر، تتبدل أولوياته وفقًا لتجاربه ورؤيته.
على المستوى الاجتماعي، لا يجوز أن نقارن الجميع أو نضعهم في قالب واحد، فالفلاح، بحكم علاقته بالأرض ومسؤوليته تجاه المزروعات، يفكر في الماء أولًا، ويفرح إذا هطلت الأمطار، ويقلق إذا جف النهر.
أما الجندي، فهو لا يغفل عن أبسط مستلزماته، ويفكر دائمًا في حب بلده، ويعبر عن هذا الحب في قطعة قماش تُسمى "الراية"، يحميها ويذرف الدموع لها، ويفرح حين يراها ترفرف في السماء.
والأم في حياتها مع ذريتها، لها قصةٌ طويلة؛ هي التي تتمنى الكثير لهم، وتسعى لتحقيق ما يراه لها أبناؤها مريحًا وآمنًا، وتعمل على أن توفر لهم ضروريات الحياة حسب أولوياتها.
مع التطور الهائل في مختلف المجالات التكنولوجية والعلمية والفكرية، أصبحت الراحة التي ينعم بها البشر اليوم نتيجةً للابتكارات التي أعطت الفرد حيزًا واسعًا من الحرية، وهي الحرية التي كانت محصورة فقط في أيدي ملوك العالم القديم.
اليوم، أبسط الأمور التي كانت تعدّ من المسلمات في الماضي أصبحت محققة، مثل:
- توفر الماء في البيت، فلا حاجة لجرة ولا لمن يملؤها.
- توفر الكهرباء، فلا حاجة للشموع ولا لمن يشعلها.
- توفر الغاز، فلا حاجة للحطب ولا لمن يجمعه.
- توفر الغسالة، فلا حاجة للوادي ولا لمن يغسل الملابس.
- توفر السيارة، فلا حاجة للحصان ولا لمن يطعمها.
كل هذه التطورات قد سرّعت الفكر، حررت الجسد، زادت قوته، ومنحته القدرة على التفكير في أبعد الحدود وفي أعمق الأماكن.
حين تتراكم الثقافة، تتطور وتتفرع، ولذلك من الطبيعي أن يُرفض التفكير التقليدي إذا انتقل الشخص إلى طبقة اجتماعية أو بيئة ثقافية أخرى، أو اعتمد مبادئ تختلف عما هو معتاد.
لنأخذ الهند كمثال؛ هي دولة تجاوزت المليار نسمة، وفيها مدن تعتبر من أكبر وأهم المدن في العالم. ومع ذلك، فإنها تجمع بين التقاليد القديمة والاتجاهات الحديثة، وبين الأفكار التي نشأت في الماضي وأخرى جديدة تمامًا.
أنا لا أستغرب من يستهجن ما تتمناه الأم لابنتها، ولا أستغرب من يستهجن ذلك من الأم نفسها. فالإنسان، بحرية تفكيره، لديه القدرة على الابتكار، والتطورات والثورات التي نعيشها في مجالات الاتصال والتفكير والصناعة والزراعة والعادات تجعلنا نتفاجأ بما يتولد عن هذه التحولات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق