ويكيمانيا 2015: تجربة لا تُنسى
من أكبر التحديات التي طرحتها الرئيسة الحالية لويكيمانيا هي كيفية تمكين المؤسسة من الوصول إلى مليارات المستخدمين عبر الإنترنت.
عُقدت ويكيمانيا في مكسيكو من 15 إلى 19 يوليو 2015 في فندق هيلتون ريفورما، في قلب مدينة مكسيكو التاريخية. ويكيمانيا هو المؤتمر السنوي الذي تنظمه مؤسسة ويكيميديا، حيث يجتمع فيه المشاركون في مشاريع المؤسسة، رغم أنني أفضل كلمة "المشاركون" بدلاً من "المستخدمون" لوصف المشاركين في هذه الفعاليات.
تم اختيار مدينة مكسيكو الساحرة، المشبعة بتاريخ عميق، كمكان للمؤتمر. تذكرني هذه المدينة بدماء الأزتيك التي أهرقها الكونكيستادور كورتيز، والتي أسفرت عن ظهور شعب مكسيكي جديد، نبت على أنقاض الأهرامات، متجددًا من سلالات قبائل الهنود وحضاراتهم الممزوجة.
ويكيمانيا هي فكرة مزيج يصعب استيعابها، حيث يلتقي فيها أفراد وجماعات من جميع أنحاء العالم، تجمعهم فكرة واحدة هي العمل على جمع المعرفة الإنسانية. إنها فكرة سامية حقًا، ترتقي إلى مراتب حب العلم وتشاركه.
شاركت في مشاريع مختلفة وحققت تجاوبًا ممتازًا، لكن بعض التجارب الناقصة دفعتني للبحث عن أفضل ما فعله الويكيبيديون. تدريجيًا، بدأت الفرص المباشرة في الظهور، مما أتاح لي فرصة اللقاء والتحدث بشكل أكبر.
لم أكتفِ بتقاسم هذه الفرص مع الأصدقاء فقط، بل قررت الوصول إلى هذا المجتمع للحصول على الدعم الكافي. للمرة الثانية، كانت الوجهة هي ويكيمانيا.
كانت الرحلة طويلة، استغرقت أكثر من 16 ساعة، مرهقة لكن عندما نعلم أن ما ينتظرنا يستحق، لا نفكر في مشقة السفر. كنت صائمًا في أيام رمضان الأخيرة، وكان العيد يصادف يوم المؤتمر، مما جعل من الصعب أن أعايد عائلتي وأنا بعيد عنها 10 آلاف كيلومتر.
بدأ المؤتمر بحضور طاولات الهاكاثون من الساعة 15 إلى 16، حيث يتمكن الحضور من تشكيل طاولات مستديرة يناقشون فيها مختلف الأعمال والتقنيات المتعلقة بالتكنولوجيا. المثير في الهاكاثون هو أن ما نقوم به أحيانًا عبر برامج مثل Windows أو Linux قد يحدث هنا مع شخص حقيقي، مبتسمًا، مستعدًا للاستماع إليك والرد على أسئلتك.
إجادة اللغة الإنجليزية كانت أمرًا مهمًا، حيث كانت جميع النقاشات تتم بهذه اللغة، باستثناء اللقاءات المحلية التي كانت تتم بين المشاركين من نفس البلد، حيث يمكن سماع العديد من اللغات المختلفة.
أما مشاريع ويكيمانيا، فهي ليست مقتصرة على اللغة الإنجليزية فقط، بل تشمل 280 لغة، مع 10 لغات مهيمنة في المراتب الأولى، والعربية تحتل مراتب متقدمة، رغم أن نشاطها لا يزال ضعيفًا مقارنة بعدد الناطقين بها. قد يُفهم هذا بسبب أن اللغة العربية الفصحى ليست هي اللغة الأم في البلدان العربية، لكن هذا لا يعني أنها لغة ميتة. فهي حية، وإن كانت بحاجة إلى المزيد من الجهود. ويكيبيديا العربية تتقدم يوميًا، وتحقق استقرارًا جيدًا مقارنة مع العديد من المشاريع الأخرى.
ويكيمانيا كانت فرصة ثمينة للمجتمع العربي المشارك للالتقاء. ناقشنا معًا في كل مكان، وحتى أثناء زيارتنا لأهرامات الشمس والقمر التي بناها الأزتيك. هذه الأهرامات جعلتني أتيقن أنه بالقليل يمكننا بناء صروح شاهقة، خالدة عبر العصور.
في الهاكاثون، شاركت في عدة ورشات، منها ورشة عن الفابريكاتور، وهي تقنية كنت قد تابعتها من قبل ولكن لم أستخدمها. كما تواصلت مع إحدى الرائدات في مجال الإحصاء في المؤسسة، وتعرفت على بعض الطرق الرائعة لمعرفة التوجهات المختلفة.
جاءت النهاية سريعًا، لكن الهدف من المؤتمر لم يكن العمل على أكواد معقدة بقدر ما كان التفاعل والظهور في مكان واحد. في هذا المؤتمر، كانت المظاهرة على الشبكة، حيث يطالب الويكيبيديون بحقوقهم في صالة كبيرة عبر الإنترنت.
من بين الشروط التي يجب أن تتوافر لنجاح مؤتمر ويكيمانيا هو الاتصال المستمر عبر الشبكة، مع ضرورة ضمان تأمين المواصلات.
حصلت الجزائر على طاولة جميلة بجانب طاولة مصر، مما جعلها تشكل مكانًا مميزًا بالنسبة للقرية الاجتماعية. تجمع العرب بشكل طبيعي في مكانهم المفضل، وتبادلوا الحديث والآراء. لم يتوقف الحديث طوال الأيام السبعة للمؤتمر، والفرصة كانت فريدة من نوعها. لو تحدثت مع كل مشارك دقيقة واحدة، كان ذلك يعني 1000 دقيقة، أي 16 ساعة من الحديث المتواصل!
دام المؤتمر 4 أيام، وكان التفاعل كبيرًا. فهمت لماذا يساهم بعض المشاركين من جيوبهم لحضور مثل هذه التفاعلات. بالفعل، كانت التجربة تتجاوز حدود المعقول.
في اليوم الأخير، ألقى جيمي ويلز الكلمة الختامية، وطرح سؤاله الشهير: "من منكم شارك في المشروع؟" ثم بدأ في تقليص العدد حتى لم يبقَ سوى شخص واحد، وكان هو!
كان الفراق صعبًا، لكنني اغتنمت الفرصة لزيارة الأهرامات الأزتيكية: هرم الشمس وهرم القمر، على بُعد 20 كم من مكسيكو. كانت زيارة رائعة أكدت لي أن أهرامات مصر لا تضاهيها أي أهرامات في العالم. في آخر يوم، قبل أن أركب طائرة العودة، كنت ممتنًا لهذه التجربة.
العودة كانت بسلام، ولكن هضم كل ما مررنا به في المؤتمر يحتاج إلى شهور
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق