هناك من يجادل بأن الشعب الجزائري يتألف غالبًا من الأمازيغ. كيف ينظر الشعب الجزائري إلى هذا الرأي؟
تناقشت العديد من الأبحاث والحوارات في هذا الموضوع. هل يمكن بالفعل القول إن الجزائر بلد عربي، أم أن العرب هم الأقلية في الجزائر؟
في علم المجموعات والرياضيات، يمكن فهم ما هي النقطة، ما هو الفضاء المسطح، وما هي الأشكال وكيف تُطبق عليها عمليات الاتحاد والتقاطع. حاليًا تتداخل الجزائر كمساحة جغرافية وثقافية مع عدة عوالم متقاطعة؛ فهي جزء من العالم العربي والأمازيغي والأفريقي والمتوسطي والإسلامي، بالإضافة إلى انتمائها لمنطقة شمال أفريقيا وتأثرها بحضارات متعددة، بدءًا بالحضارات المعروفة كالرومانية والفينيقية والإسلامية، وصولًا إلى تلك الأقل شهرة. تنطبق عليها تصنيفات وتكتلات إثنولوجية متعددة، ما يجعلها نقطة تلاقٍ لهويات وثقافات متنوعة. وإذا قيل إن الشعب الجزائري أمازيغي، فهذا صحيح، لكنه أيضًا أفريقي ومتوسطي وعربي وإسلامي
وروماني وفينيقي وغيرها، لكنه يبقى في الأخير والأول جزائريًا، وهو ما يفتح ويغلق هذه الحاضنات على بعضها البعض.
تعربت الجزائر بمراحل، حيث بدأ الفتح الإسلامي هذه العملية في القرن السابع الميلادي بقيادة عمرو بن العاص وعقبة بن نافع. لكن هل غير الفتح الإسلامي الهيكل الديموغرافي بشكل كبير؟ بعض الأبحاث تشير إلى أن النمو الديموغرافي للعرب لم يتجاوز 200 نسمة في البداية، وكان هذا فقط في مدينة القيروان، حيث استقر العرب بعد فتحها عام 670 ميلادي. عندما وصل العرب إلى المنطقة، لم يجدوا عناءً في التواصل لأنهم وجدوا الكنعانيين، الذين كانوا يتكلمون لهجة من لهجات الفينيقية، وهي لغة تشترك في بعض المفردات والصيغ مع العربية. يُعتقد أن هذا التشابه اللغوي سهل التفاعلات بين الشعوبين، حيث أن الفينيقية كانت تحتوي على عدد من الكلمات التي تعود إلى أصول سامية مشتركة مع اللغة العربية، مما جعل الاندماج اللغوي وتبادل الثقافات أسهل بكثير. كانت الفينيقية لغة تجارة ونقل للمعرفة قبل قدوم العرب، وهذا أدى إلى تشابه بين اللهجات التي تُستخدم في المنطقة. قام الفينيقيون بتأسيس مستوطنات مثل قرطاج التي أصبحت قوة كبرى في البحر الأبيض المتوسط حوالي القرن الثامن قبل الميلاد.
من الجدير بالذكر أن غزو قبائل بني هلال قبل ألف سنة، في القرن الحادي عشر الميلادي، شارك في زيادة العرب في المنطقة، لكن الأرقام تشير إلى أن بني هلال وغزواتهم لم تتجاوز 50,000 نسمة، وكانت المنطقة تعج بالملايين من الأمازيغ في ذلك الوقت. بعد ذلك، جاء تعمير آخر للعرب بعد سقوط غرناطة في الأندلس عام 1492، مما أدى إلى هجرات للاجئين الأندلسيين إلى مدن شمال أفريقيا مثل تلمسان ووهران، لكن هذا لا يكفي للقول بأن الجزائر عربية بالدم.
هناك دراسات جينية أجراها بعض الباحثين حول التوزيع الجغرافي للعرب في العالم العربي، وتشير النتائج إلى أن نسبة الجين العربي في شمال أفريقيا لا تتجاوز 20%، مما يثير الجدل.
الجدل كبير أيضًا حول أصل الأمازيغ، حيث هناك من يقول إنهم من أصل عربي أو من أوروبا، ولكن العديد من الباحثين يرجحون أن الأمازيغ هم من انتقلوا إلى أوروبا وليس العكس. قد تشير بعض الكلمات المشتركة بين اللغة الأمازيغية والعربية إلى تأثيرات متبادلة.
لا يمكن تجاهل أن الجزائر جزء من أفريقيا، مما يضيف عنصرًا أفريقيًا. تاريخيًا، كانت الصحراء الخضراء بالتاسيلي موطنًا لشعوب صيادة، لكن ببداية التصحر، انتقلوا شمالًا، مما أدى إلى تفاعلات مع الفينيقيين والرومان. الرومان دخلوا إلى الجزائر في القرن الأول قبل الميلاد، وأسسوا مدن مثل تيبازة وسيتيف وشرشال، لكنهم واجهوا مقاومة من الأمازيغ الذين حافظوا على هويتهم الفريدة.
لا يُعرف كيف ستكون الجزائر بعد آلاف السنين، وما هو الاسم الذي سيطلق على سكانها، وأي لغة سينطقون بها. لكن في الوقت الحالي، يُعتبر الجزائريون جزءًا من غنى ثقافي كثيف ومتنوع.